الأحد، 8 يناير 2012

الصورة أم البرواز ؟!




خارج البرواز  :

من المعروف أن كل سياسة لها معطياتها ... دستور ، مجلس تشريعي ، نواب ، برلمان ، رئيس وزارة ، رئيس جمهورية ... الخ .
لكن كل هذه ما إلاَّ إطارات لصورة كبيرة أسمها (العملية السياسية)، ولقد تخبطت بلادنا عبر عام (2011) [ وأنا أكتب الآن هذه الكلمات ] في فوضى من الإطارات حاول الجميع –كل بطريقته – أن يضع برواز لصورة سياسية حقيقية لكن تغيرت الوزارة عدد من المرات ... تغيرت المواقف بين الكتل والأحزاب في حركة مد وجزر لم يسبق لها مثيل ... فما الحل ...!?
أين الصورة ..هاتوا الصورة ، ثم ضعوا البرواز ... لكن إذا لم نعثر على الصورة فما لزوم البرواز !؟ لن يعجب البرواز أي متفرج ببساطة ليس لمشكلة في البرواز لكن الجميع يعرف أن الصورة غير موجودة ، ولا توجد قيمة لبرواز بدون صورة ... ؟!    
إن هذا يأخذنا لجدلية الصورة و الإطار (البرواز ...  
·        إن الإطار يحمي الصورة : ربما من بصمات الأصابع ، ومن أن تتمزق إذ أمسك بها أحدهم بإهمال.
·        ثم إنه يحدد مساحتها فمساحة الصورة تعرف بحدود إطارها ..
·        ثم إنه أيضاً يزيد جمالها فبدون شك هناك من تخصصوا في صنع البراويز بكافة أشكالها وأحجامها وألوانها لتناسب نوعيات الصور
·        ثم أخيراً لكي يكون آداة التعامل مع الصورة ، فأنت لا تستطيع أن تمسك بالصورة ذاتها ، لكنك دائماً ما تمسك بالبرواز من الخارج
إن هذه الأسباب الأربعة هي ما جعلت البرواز شيء مهم ... لكن –مع
هذا كله - يجب ألا ننسى أيهما أهم : البرواز أم الصورة !؟
·        إن كل قيمة البرواز في الصورة التي يحتضنها فيحافظ عليها... ويجملها ويعطيها مساحة بين الأشياء، ويساعد على الإمساك بها دون أن تتأثر أو تتمزق ... لكن ماذا لو كانت الصورة أكبر من البرواز.. أنستغني عن الصورة لكي نتمسك بالبرواز مفرغاً أم نستغني عن البرواز لنتمسك بالصورة بحرص، قبل أن نبدأ في البحث لها عن برواز آخر؟
لقد وضع الله كل صورة في الأساس داخل برواز مناسب لها بشرط أن يتمتع هذا الإطار بكل المواصفات السابقة، لكننا للأسف بعد الخطية وبعد أن تشوهت الصورة الإلهية ، لم نجد أمامنا سوى البرواز كذكرى للصورة ..


القصة عندما بدأت :
كان آدم على صورة الله، وكان برواز هذه الصورة هو الجنة ، وهو الزواج ، كلها كانت براويز للصورة التي خلقها الله (آدم) ... وكلنا نعرف أن آدم أبونا أخطأ ، فهل ظلت الصورة بجمالها ؟ مطلقاً ... فبعد الخطية تشوهت الصورة وانكسر البرواز الداخلي أولاً .. لقد طرد آدم (الصورة) من الجنة (البرواز الخارجي) ... بعد ذلك بقليل بدأت الشروخ تحدث في البرواز الداخلي (الزواج) عندما تعددت الزوجات (تك4) ثم انكسر البرواز تماماً عندما اختصر الزواج لعلاقة جنسية بعد هذا بقليل (تك6) ... فإذا فسدت الصورة الأصلية (أي آدم) فلا قيمة لأي برواز يمكن أن يحتوي هذه الصورة ...
مئات أخرى من السنين وقرر الله أن يتعامل مع شعبه ، واختار الشعب أن يعبد الله وقد كانت هذه هي صورة جديدة ، و أضرم الجبل بالنار من حضور الله، وكان البرواز هو لوحي الشريعة، وتابوت العهد، وخيمة الاجتماع، والطقوس والأعياد ولبس الكهنوت الخ... لكن مرة أخرى ترك الشعب الصورة الحقيقية وهي عبادة الله من كل قلوبهم ... ومرة أخرى تغيب الصورة ولابد بعد غياب الصورة من أن ينكسر البرواز : أُخذ التابوت لأرض الفلسطينيين، و تهدم الهيكل الخ.
فماذا يفعل الناس عندما تتمزق الصورة أو تتشوه ؟
العادة السيئة عندنا هنا أن نتمسك بالبرواز.. ونبالغ في الحفاظ عليه ... ومع الوقت يحل البرواز محل الصورة ...
مع مرور الوقت تصير الصورة برواز والبرواز صورة ، فالسبت الذي كان برواز حول صورة الإنسان ليقدم له الراحة والعبادة صار هو الصورة نفسها، وصار الإنسان (الذي كان هو الهدف الأساسي للسبت ) هو مجرد برواز للسبت !! وصار أي إنسان ( صورة ) يتجرأ ويكسر السبت ( البرواز ) يجب أن يحاكم !! وبنفس الطريقة صار الجسد (البرواز الطيني للإنسان من الخارج) هو كل كيان الإنسان، وصارت روح الإنسان ( الصورة الحقيقية الداخلية ) هي برواز للإنسان، فالإنسان الذي لا يهتم بطريقة حياته من النواحي الجسدية لكي يعيش الحياة الروحية الحقيقية يقال أن هذا الشخص روحاني : ويقصد بهذا أنه يحيا على هامش الحياة ، على البرواز وليس في الصورة ...        
وبنفس الطريقة : صارت الطقوس (التي معناها: أنظمة العبادة) هي العبادة نفسها ... وما أبعد الفرق !! بين برواز الصورة وبين الصورة نفسها ... ففي كل مرة يحضر الله أثناء عبادتك ، وتحدث تأثيرات معينة لك في حضوره ، تبدأ بعد ذلك تترك طلبك لحضوره وتبحث عن المؤثرات التي رافقت حضوره .. فيغيب حضوره ثناء البحث عن طريقة ما أو أسلوب معين ، وتتحول العبادة بعد ذلك لعبادة الطريقة وليس طريقة للوصول إلى إله يقبل ويتفاعل مع كل الطرق ... إن العبادة في ذاتها يمكن أن تتحول لبرواز ثقيل جداً وضخم جداً وحساس وهش جداً والمشكلة أننا نطالب الناس أنتحمله معها أينما ذهبت، ثم تبدأ طوال الوقت تطالبه أن يحافظ على هذا البرواز، وكثيراً ما ينظر الإنسان داخل البرواز لعله يجد أي حقيقة، أو أي شيء فلا يجد شيئاً، وينتظر الإنسان لعل أحدهم يأتي له بصورة حقيقية من أي مكان لتناسب البرواز الثقيل، فلا يجد سوى طلاسم لا معنى لها.. إن الاجتماع الروحي في المكان والزمان والخدام والمنشدين والعازفين هو ليس أكثر من برواز، للتلامس مع حضرة الله الروحية !! لكن كم من مرة خرجنا لنسأل بعد أن حملنا برواز (العبادة الشكلية) ترى أين كانت الصورة الحقيقية ؟! عما تكلم الله إلى قلوبنا اليوم ؟! وإذا لم نجد الرد، فعذراً ، تاريخ الإنسان كله متخصص في صناعة براويز بلا صور، لكن إله التاريخ هو الوحيد الذي يصنع الصور الحقيقة ... ولا يبال بالإطارات ...
لكن كم شوهنا حقيقة و معنى الميلاد طلباً لبهجة الكريسماس ، كم تجاهلنا قوة العبادة في حفاظنا على العادة .. وهؤلاء هم متدينون اليوم " لهم صورة التقوى (البرواز الشكلي الخارجي للتقوى ) لكنهم ينكرون قوتها ".
إنه إذاً الخوف من تحطم البرواز ... إنه الخوف من عدم الولاء للبرواز، هو الذي جعل الناس في حرب من أجل البرواز. ونحن ضحية بروايز معظم الأحيان !
لهذا كانت خطة الله استعادة الصورة !! استعادة الحقيقة لمكانها !!
ولكن هنا أيضاً بدأت المشكلة ، كيف يتعامل الله مع البرواز الذي صار بالنسبة لنا هو الصورة ؟!


الصورة الأخيرة
إن البرواز الطبيعي الإلهي لولادة أي إنسان على الأرض هو الزواج ، لكن هذا البرواز يصلح لوضع مزيد من الصور البشرية المشوهة بالخطية، فداوود يقول "هاأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" والله يريد أن يستعيد صورة لإنسان بلا خطية، إذاً لابد له أن يتعامل مع البرواز ... وما هو البرواز  (الزواج) ..
هل رفض الله الزواج؟!
مطلقاً ؟!
فالكتاب بكل وضوح يؤكد على شرعية الزواج كأهم برواز لصورة حقيقية، ويوصي بولس (ليكن الزواج مكرماً) ، لكن نحن الآن نتكلم عن حالة استثنائية جداً جداً .. حالة صورة لابد لها من أول لحظة أن تكون خارج كل الإطارات التي تحولت مع مرور الوقت لصور كاذبة ، صورة تطلب بعد ذلك إطارات جديدة ...
لهذا يقول الكتاب أن مريم كانت فتاة عذراء .. وأنها كانت مخطوبة ... معنى هذا أن البرواز (الزواج) كان موجود لكنه لم يكن كاملاً... لقد كانت هناك فرصة هنا أن يتدخل الله قبل أن يكتمل البرواز ويتحول إلى صورة جديدة مشوهة .. كيف !؟ لو اكتمل وضع البرواز (الزواج ) لكانت النتيجة هي إنسان (صورة) لكن أي إنسان يولد من زواج كهذا سيولد صورة مشوهة كقول داوود ( ها أنا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي ) .. لقد اتخذ من رحم مريم مقراً لصورة إلهية إنسانية ... كيف ؟! لا يمكننا أن نفهم قدر ما يمكننا أن نقبل أن هذه مساحة من التدخل الإلهي التي ليس من المستطاع أن نتدخل فيها ... لقد بدأ الله – وهو على كل شيء قدير - في رسم صورة لجنين عجيب قبل أن يكون هناك أي برواز، لقد بدأ من لحظة حبل مريم بتكوين الصورة الحقيقية الصورة التي اكتملت في الصليب، وصار التعامل مع البرواز الخارجي (المتمثل في نظرة الآخرين بدءاً من يوسف خطيبها [حامي البرواز]، نهاية إلى من صلبوا المسيح) أمراً يحتاج لبعض الوقت ..
لقد فقد الإنسان الأول ( الصورة الأولى ) الحياة في روحه ... لهذا فقد قرر الله أن يأتي كإنسان من أول لحظة يحمل الحياة في روحه ، وهذا واضح من كلام الملاك للمطوبة العذراء مريم " الروح القدس يحل عليك"
أي أن الله قرر أن يخترق المشهد بصورة روحية تكسر البرواز الجسدي الطبيعي أولاً ، ثم تعيد بعد ذلك لبرواز الجسد -الذي فسد- روحانية الصورة الإلهية الأولى، وقد كان هذا الصورة الإلهية المتجسد هو أفضل من كل براويزنا التي زادت من تشوه كل صورة وضعناها فيها  ..
إنك إذا بحثت في كل إصحاح في الأناجيل ترى المسيح يكسر بروازاً ويضع صورة .. ويضع المستمعين أمام اختيار صعب: صورة بدون برواز أم برواز بدون صورة .. !؟

·        ابن الله بدون أب بشري ، أم آباء بشريين بدون ابن الله؟
·        حبل بلا زواج ، أم زواج وحبل وأجنة مولودة بالخطية؟  
·        حضور الله في بشر يبدو عليهم أنهم سكارى أم كهنة يعرضون عمائمهم وأذيال ثيابهم بدون حضور الله؟  
·        كاهن صامت في الهيكل أم صوت صارخ في البرية ؟!
·        ابن عظيم وأم بسيطة ، أم أُم عظيمة وأبن بسيط !!
·        صليب ذهبي بدون مسيح، أم مسيح مصلوب والصليب من خشب؟
·        ذبيحة تعطل عمل الرحمة أم رحمة قد تعطل تقديم ذبيحة !؟
·        قراءتنا للكتاب المقدس أم فحص الكتاب المقدس واختراقه لنا !؟
·        تعب الخدمة أم المحبة الأولى !؟
·        هدية الميلاد أم مسيح المزود؟!
·        مزود التاريخ المزين بالأنوار أم قلب مُخلِص نادم على الأقذار ؟!
·        بحث الرعاة الفضولي أم سجود المجوس المتعبد !؟
·        ربح العالم وخسارة النفس أم ربح النفس وخسارة العالم ؟!
·        الطريق الضيق والنهاية الرحبة أم الطريق الرحب والنهاية الرهيبة !؟
·        العبادة أم الحب ؟!
·        معرفة بدون حياة أم حياة تنبع بالمعرفة ؟!
·        هيكل التجار أم بيوت الأبرار ؟!
·        القربان أم الاحترام ؟!
·        تفرغ الوقت أم تفرغ القلب !؟
·        ترك علاقة نجسة ظاهرياً أم الطهارة قلبياً ؟!
·        ترك الثلاثين من الفضة على أرضية الهيكل أم التوبة عن محبة المال ؟!
·        وضع الولائم أمام المسيح أم سكب الدموع وغسل قدميه ؟!
·        جرة بدون ماء ، أم ماء بدون جرة !؟ (يوحنا 4  : السامرية )
·        الإنسان للسبت أم السبت للإنسان ؟! ( مر2 )
·        خبز بدون طاعة أم طاعة بدون خبز ؟! ( مت 14- مت 4)
·        مجد بدون ألم أم ألم يقود للمجد ؟! ( هيرودس الذي ضربه الدود – أم المسيح المصلوب ) 
·        حق بدون نعمة أم نعمة فوق نعمة ؟  ( يو1 موسى  – المسيح )
·        .... كلها صورة وبروايز ...     

    
الخلاصة :
الصورة هي المسيح (كو ) إنه الحقيقة الأخيرة التي صورت وقدمت لنا الجوهر الإلهي الغير منظور والغير مدرك، إنه أيضاً الصورة التي
تمخض بولس ليصير المؤمنين مثلها ، والتي يصر الله على نفس الهدف من تبنينا (  )، وكل ما يتعلق بهذه الصورة ما إلاَّ برواز من المزود إلى الصليب ، ولتتأكد من كلامي :
افصل المسيح عن الصليب يتحول الصليب لأبشع آداة إعدام، افصل المسيح من المزود يعود لمكان تملأه البهائم، افصل المسيح عن أي طقس يتحول الطقس إلى ثقل ... افصل المسيح عن العبادة ، تتحول إلى وثن ... أفصله عن بولس أو عن بطرس أو عن مريم أو عن أي قديس أو شهيد تحصل على أبطال تاريخيين طواهم التاريخ وحسب ..
أمامك اختياران كلاهما له نتائجه وتكلفته : الصورة و البرواز !! الجوهر و الشكل !؟ ومع أن الاثنان لا يتعارضان في وجودهما مع بعضهما البعض ، لكن الذي يصنع الفرق هو لمن منهما تعطي الأولوية !!
إن صورة الله هي التي تحمي أي برواز البشري وهذا هو الفرق ، فكل براويز الإنسان لا تستطيع أن تحمي جزء من الصورة  الإلهية !!
تماماً كما حمى المسيح جسد مريم وقدسه عندما تجسد فيه !!
و صورة الله أيضاً هي التي تعطي للبرواز البشري قيمة !!
إن صورة الله هي التي تجعلك تعرف حدود البرواز!!
فعلى قدر عظمة الصورة يجب أن تكون بساطة البرواز .. فصورة الله هي التي تعطي للبرواز جماله !! فكم يمتلئ التاريخ من عذارى، لكن أياً منهن كانت كمريم العذراء ؟!
والعكس صحيح :  
فالبرواز البشري وحده يؤثر سلباً على الصورة الإلهية !! فمن صلبوا المسيح لم يكونوا سوى أشخاص أخلصوا لبرواز اسمه موسى ؟! ...
إن البرواز البشري يقل من قيمة الصورة، إذا ما فكر أحدهم أن يساوي بين القيمتان !! فأيهما أثمن هيكل الله، أم إله الهيكل ..؟! إن هيكل الله بدون إله الهيكل هو " مغارة لصوص " !!
إن البرواز البشري يقيد حرية الصورة، لأنها صورة متحركة، متسعة، منتشرة إذا ما أردنا أن يظل هو الحدود التي تحميها !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق