الأحد، 8 يناير 2012

الاثنان ابنان



   الاثنان .. ابنان ..
-         تنتهي قصة الابن الضال ، بطريقة مثيرة ...
فالابن الذي كان منذ قليل في كورة الخنازير هو الآن جالس على المائدة يلبس الحلة الأولى والخاتم في يده ، والحذاء في رجليه ، هذا علاوة على مظاهر الفرح التي كانت تحيط بالمشهد من كل ناحية ...
والابن الأكبر الذي كان لتوه في الحقل آتياً متعباً يعلو العفار ثيابه ووجهه هو بأكثر احتياج للطعام وللراحة ، لكنه يرفض أن يدخل البيت.
الأب في الحالتين واحد ، لكن استقبال الابنان لأبيهما وتصرفاته مختلف ..
فبينما يركز الأول على ابيه من أول لحظة " يا أبي " ، لا نسمع الآخر يقول لأبيه شيئاً كهذا ... بل كانت لهجته مع أبيه جافة " ها أنا أخدمك سنين هذا عددها " ... وإن استبدل الأكبر كلمة أب ، فستكون كلمة " سيد "  هي الأنسب ... لقد حلت الخدمة والعبودية محل البنوية الغالية ، ففقد الأكبر بنوته في مقابل تمسكه بخدمته ...
وبينما قال الأصغر " أخطأت إلى السماء وقدامك " يقول الأكبر لأبيه " وقط لم أتجاوز وصيتك " وللمرة الثانية نرى الأكبر يستبدل إحساسه بالاحتياج لغفران أبوه عن غيرته وغضبه ، بأنه شخص مثالي ، ولا يحتاج أن يتكل على محبة أبيه الغافرة ، بل كان يحتاج فقط إلى تقدير من أبيه لتعبه ومثاليته ... الأمر الذي كان غير صحيح بالمرة ...
وبينما يقول الأصغر لأبيه " لست مستحقاً أن أدعى لك ابناً  " مرة أخرى يقول الكبير لأبيه " وجدياً لم تعطني قط لأفرح مع أصحابي " .
فقد استبدل الأكبر محبة وسخاء وكرم أبيه الذي قال له " كل ما لي فهو لك " بجدي ... مع أن الأصغر كان في أشد الحاجة للقمة العيش السخية لا نراه يتكلم عنها ، ولا نسمع صوت بطنه أو جسده الجائع ، لكننا نسمع صوت نفسه الكسيرة ، بينما الأكبر الذي كان " كل شيء لأبيه  له " يطلب جدي !!
الصغير يطالب باستعادة البنوية الجديدة ، والكبير يطالب بأجرة العبيد، مرة أخرى يكمل الابن الأكبر " ولكن لما جاء ابنك هذا الذي بذر معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن " .. لقد قادت الخدمة المرهقة إلى إحساس بالتفوق ، لقد فقد الأكبر استمتاعه بكرم أبيه مع أن أبوه قسم معيشته بين ابنيه في البداية ، وكان للأكبر نفس ما أخذ الأصغر ، فقد كان معه ما يساوي أكثر بكثير من جدي ، لقد فقد أيضاً إحساسه العميق بمحبة أبيه التي غابت عن عينيه التي لم تكن تر سوى بره هو الشخصي ، لقد فقد إحساسه ببيته الذي لم يدخله وانتهت القصة أنه ظل بالخارج فهو " لم يرد أن يدخل " .. لقد فقد أخيراً إحساسه بأخيه .. لقد كان أخيه بالنسبة له " أبنك هذا " .. ولم يكن " أخي هذا". إن روح الانتقاد والدينونة هي نتيجة طبيعية جداً لما تقدم !! لقد قال أن أخيه " أكل معيشتك مع الزواني " .. مع أن القصة لم تذكر شيئاً عن الزواني بل قالت أنه " بذر ماله بعيش مسرف " وفقط ... من أين أتى الأخ الأكبر بهذا الاتهام !؟    
إن هذه الأسباب الأربعة هي أكثر ما يخرجنا خارج محضر الله ، وينهي اجتماعاتنا خارج حضوره :   
1-    التركيز على ما نقدمه لله ، وما يطالبنا الله به ليس ما يقدمه لنا الله  "ها أنا أخدمك" ..  
2-    التركيز على ما نحن عليه من بر ، وليس ما الله عليه من صلاح "قط لم أتجاوز وصيتك " ...   
3-    التركيز على مطالبنا، حتى إن كانت صغيرة " مجرد جدي" ، حتى وإن كانت غير مناسبة " فالجدي " يرمز للشر في مقابل الخروف أو الحمل الذي يرمز للطهارة .. ( يقيم الخراف عن اليمين والجداء عن اليسار )  
4-    التركيز على دينونة وانتقاد الآخرين ... وإحساسنا بالتفوق عليهم .الأمر الذي يدفعنا إلى اتهامهم بالكذب وتضخيم أخطائهم ، وهذا يرفع من علينا روح النعمة ، ويضعنا نحن أنفسنا تحت نفس روح  الغضب عينها ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق