الخميس، 5 يناير 2012




اسم وأسماء (مت 1:1-17)                              وفيق رمزي

  • قبل الانتخابات البرلمانية المصرية 2012 امتلأت الشوارع باللافتات، حتى أنه من كثرة اللافتات أصيب البعض بحالة من الهلع ـ وكأن بمجلس الشعب الجديد شعاره (نائب لكل مواطن) ... قبل هذا الحادث بـ 30 عام كنا نعرف أن مصر بلد الرجل الواحد، والحزب الواحد، وأن الذين ينتمون ، وينجحون في هذا الحزب الواحد هم اثنان في كل دائرة ... كانت الأسماء عندنا ثابتة معروفة لا تموت ولا تكبر ولا تتغير ... فماذا حدث ؟! ما معنى هذه الحمى من الأحزاب والأسماء ، وما معنى هذا الارتباك الشديد والتنافس ؟ ومن أين خرج هؤلاء المتصارعين الذين اكتظت بهم حلبة الشارع والتليفزيون والانترنت فجأة ... ؟!

الأمر له عدد من التفسيرات المنطقية ، والواقعية ... ولا يوجد عندي شخصياً مانع أن أقبل ما يقوله بعض المحللين والصحفيين أصحاب الرأي المستنير . والأسباب المباشرة واضحة على الأرض .. وفي هذا فليتناقش المتناقشون ... لكني أرى أن هناك نوراً خفياً في المشهد يأتي من سراج كلمة الله في الأحداث ، هذا هو ما ألهج به ، وهذا ما يخصني ، ويخص شعب الله في مصر ... و يخص من يهمه الأمر ...      


مبدئياً يمكن أن نقول - بحكم أن الشيطان قديم الأيام - فهو يعرف جيداً أن التاريخ يدور في دوائر، وأن ما حدث في أحد الدوائر يتكرر في الدائرة التالية ... تختلف الأشكال لكن السياسة واحدة .. ومن خلال هذا يستطيع الشيطان بشكل محدود أن يتنبأ باحتمالات متوقعة في المرحلة القادمة ... ويرصد طبيعة تحركات الله من خلال صلوات، ورؤية، وتحركات شعبه (كنيسته) ..
ثم عندما يصل لتوقع قريب من اليقين يبدأ في تحريك قطع الشطرنج (رؤساء وشعوب العالم) من أماكنها ويغير الأدوار، تحسباً لوقوع خسائر في صفوفه ... وينتظر الله في هدوء وكأنه ترك كل شيء في يد إبليس، ويبدأ التحرك الشيطاني في سباق شديد وشرس على الأرض لمنع مخططات الله التي قررها مع كنيسته ومع المساكين المحتاجين من العالم، الأمر الذي يصيب حتى بعض من رجال الكنيسة بحالة من الضيق والارتباك ... لكن في وقت ما، وفي قمة النشاط الشيطاني يتحرك الله بهدوء ... بدون ضوضاء ... فيستد أمام كلمته كل فم، ويتنحى التاريخ، وينحني الجبابرة .. فقد دخل الله المشهد ... فمن يجرؤ على الكلام ..    

سيناريو قديم يتكرر ...

فجأة يتضايق فرعون مصر من شعب إسرائيل ، ويقرر بشكل محدد التخلص من أولاد العبرانيين ( الذكور) بإلقائهم في النيل .. الأمر محير ... لا توجد أسباب على الأرض تستدعي أن يخاف فرعون من أطفال العبرانيين ... لم يتهم شعب إسرائيل بأي خيانة سياسية تستدعي أن يأخذ فرعون حذره منهم ...  ومن أولادهم لا من بناتهم ...

تعال نرى الأمر في غرفة العمليات الحقيقية  ...

كان الشيطان من خلال معرفته بالتاريخ يعرف أن الله وعد إبراهيم أن نسله سيكون غريباً في أرض لمدة 400 سنة .. ثم سيستعبدون لأمة قاسية في هذه الأرض ثم سيخرجون من هذه الأرض إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً ... وقد بدأت الأيام تقترب من تمامها لولادة شعب سيكون له وضع متميز بطريقة ما ، هنا بدأ الشيطان يتحرك فأراد أن يتخلص من أي شخص يمكن أن يكون هو زعيم وقائد لهذا الشعب يوما ما ... فجعل فرعون يقتل الأطفال (الذكور) في الجيل الذي من المفترض أنه بعد أربعين عام أو أكثر يمكن أن يخرج منه الرجل الذي سينفذ مخططات الله السابقة ... (وتكرر الأمر بعد ذلك بنفس الأسلوب مع المسيح الطفل لكن الموضوع له تفاصيل أخرى سنناقشها فيما بعد) ... وبدا الله صامتا، وبدا كما لو كان قد ترك إبليس يكتب مؤامرته وينفذها ... ووسط دهشة التاريخ من جبروت فرعون ، ووسط صمت المقاومة الشعبية، ووسط ذهول الجميع، بدا المخطط الشيطاني ينفذ بمنتهي الوحشية وغرق الأطفال بدون ذنب في نهر مصر ( شريان الحياة ) ... لكن ما أبعد الفارق بين الموقف بالنسبة لله فالمخطط الإلهي معروف بالتفاصيل ... أما بالنسبة لإبليس فمخطط الله معروف النتائج لكنه مجهول التفاصيل ...
أما تفاصيل المخطط كما وشى بها التاريخ فكانت أن الله يعد طفل ، وأن هذا الطفل لابد أن يخرج حياً من نفس المياه التي أغرقت الأطفال ، وأنه بعد هذا يتربى في قصر فرعون دون أن يجرؤ فرعون على المساس به ظناً منه أنه قد تمكن من صهره في بوتقة مصر، ثم عندما يكبر هذا الطفل يكون قد اختبر كل خيرات مصر وتربى وتهذب بحكمتها سيترك القصر بكامل إرادته بصورة فردية أولاً، رافضاً هذه الخيرات والغنى ، ويحسب دعوة الله له و"عار المسيح" غنى أعظم من خزائن مصر ، وينتهي الأمر بأن هذا الشخص يتمكن من الخروج بعد ذلك من مصر هو وكل شعب الله إلى أرض الموعد حسب كلام الله لإبراهيم ... وتغلق الدائرة ... وأثناء خروجه هو والشعب لا ينسى الله أن يثأر من فرعون وجنوده وآلهته بقضاء من نفس نوع الزرع الذي زرعه فرعون ، فيهلكه هو ورجاله ومركباته في البحر بنفس الطريقة التي أغرق بها فرعون بني إسرائيل على طريقة ( الضربة المرتدة ) ...
أما لماذا فكر الله بهذه الطريقة ، وساق الأحداث كلها ، والزمن كله لإتمامها ، فقد كانت هذه بروفة بسيطة قدمها الله للتاريخ اليهودي بشكل خاص والتاريخ العالمي بشكل عام حتى يمهد في أذهان الناس قدومه شخصياً في صورة طفل آخر سيولد في ملء الزمان ، طفل لن يجد حفاوة عند قدومه، ولا محبة أثناء حياته ، فيعيش مهملاً أولاً من خاصته ثم منبوذاً ومرفوضاً بعد ذلك، وآخر الأمر سيترك هذه الأرض بإرادته مسلماً نفسه لمشيئة الله ، وبعد ذلك سيعود للأرض كما خرج منها ليأخذ شعبه المختار (ليس من أرض مصر فقط كما فعل مع موسى ، لكن هذه المرة من كل أمة وقبيلة وشعب ولسان ) ويخرج بهم ليس إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً بل إلى ( سماء جديدة وأرض جديدة يسكن فيهما البر) .

نعود لسيناريو 2012
بنفس الطريقة دعني أقول إن فوضى الأسماء في الفضائيات ، وفي الانتخابات ، وفي الدوائر الدينية والسياسية وفي كل المجالات ... لابد أن تحدث كضربة استباقية للتشويش على إكرام الاسم المعظم ( اسم الرب يسوع المسيح ) في بلادنا ، وفي كنائسنا ، وفي بيوتنا ، فهذا الاسم سيمجد ... إن إبليس يريد أن يربك الناس بألا يجعل صاحب الاسم الوحيد المجيد يأخذ كامل كرامته التي يستحقها وسط شعبه ... فيريد أن يغرق الناس في ارتباك من يختارون من أسماء (كلها أو معظمها ضد هذا الاسم بالذات ).

عودة لمتى (1)
* إن اسمه يختصر الأسماء :       

بدأ متى إنجيله بالحضور الإلهي في اسم يسوع المسيح ... لقد افتتح متى كلامه لنا بكلمات قاطعة ، لا فصال ، ولا نقاش ، ولا جدال ، ولا مساومة ولا إقناع .. " كتاب ميلاد يسوع المسيح " ... مؤكداً أن يسوع هو المسيح الذي انتظره اليهود طوال هذه المئات من السنين ... ثم يفتح متى قوسين ويكتب كل الأسماء العظيمة والوضيعة ، البطولية والمغمورة، سيئة السمعة والمساء فهمها ، فعندما يظهر هذا الاسم يجب أن تجتمع كل الأسماء تحت كرامته ...  فإما أسم يسوع وإلاّ فلا ... 
هكذا اختصر متى البشير بشارته في مقدمة موجزة " كتاب ميلاد يسوع
المسيح ابن داوود ابن إبراهيم" .. لقد اختصر أحلام اليهود في العرش إلى كلمة " ابن داوود " واختصر أحلام اليهود في الأرض إلى "ابن إبراهيم" .. واختصر كل أبطال اليهود إلى أسماء كثيرة مثل اسحق ويعقوب الخ، واختصر كل خزي اليهود في أربعة نساء سيئات السمعة غير يهوديات ، لكي لا ينسى بطلاً من أبطال مسرحية التاريخ، واختصر كل الشخصيات المغمورة والشخصيات الأخرى.. لقد انصهر الكل في هذا الاسم.. فهو لم يذكر هذه السلسلة عبثاً، ولا ليثبت أنه كان دارساً للتاريخ أو الجغرافيا ... بل كان يريد أن يقول لنا دع اسم يسوع يكون أعلى من أبطالك وأحلامك ... دعه يكون أعلى من أشرارك و إحباطك ، و من ظروفك ، وخزيك ... إنه المساو للآب ، لكنه الإنسان الذي يمكن أن يصل إليك ... فهل بعد هذا يمكن أن تضع التبر بجانب التراب !
ضع اسمه اليوم بكل جدارة بدلاً من أعظم خدامه ، فهو أعظم من إبراهيم وأعظم من سليمان ، ضع اسمه اليوم بدلاً من الذين لا تتوقع أن يكون لهم صلة بالبركة من قريب أو بعيد ، فليس بعيداً على من اختار الجهال ، واختار المزود ، والمرأة ، والفقراء أن يستخدم أي اسم آخر ليعود المجد إليه وحده ..    

** إنه الاسم الذي يصنع الأسماء :

لا يحتاج صاحب الاسم الحسن أن يحمي اسمه من لوم أو إهانة أو تهديد أو رفض أو مقاومة ، إن من يفعلون هذا هم نحن المساكين ... إنه لا يستمتع بإقصاء المناوئين له من الساحة ، إنه ليس (نرجسياً) غارقاً مثل المرضى النفسيين في إعجابه بذاته ... لكنه الشخص الذي ما أن تتعرف على اسمه حتى " يصنع لك أنت أيضاً أسم كاسم العظماء الذين في الأرض " ... لقد حاول الناس قديماً أن يصنعوا لهم اسماً "فبنوا برجاً رأسه يمس السماء " فماذا حدث ؟! بنو البرج ، وفقدوا الاسم ... وفقدوا لغة الاتصال ، وبلبل صاحب الاسم السنتهم ... فهل يجرؤ أحد أن يقترب من هذا الاسم باسم آخر " ليس أسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس " 

لقد حاول البعض الآخر الارتباط بأسماء كبيرة فماذا جنوا من تبعوا الأسماء العظيمة غير المهانة ... فصناعة الاسم هي صناعة إلهية من صاحب الاسم الوحيد ... 
تكرر الأمر ويتكرر : لافتة كبيرة على مدخل الكنيسة مكتوب عليها " ندعوكم لحضور النهضة الانتعاشية المقامة من اليوم الفلاني لليوم الفلاني"، وهذا ليس بيت القصيد، لكن تحت هذه الديباجة التقليدية تقرأ " وسيستخدم الرب المرنم / .....  ، وخادم الرب الأخ / ........." .. ويتوقف ترتيب وضع اسم الخادم أو المرنم على مقدار شهرة كل منهما .. و بعد هذا : ....  
تكرر الموقف ويتكرر: يقف قائد النهضة متأثراً في أول الأيام ويقول " كنا نود أن يكون معنا المرنم فلان ، أو الخادم  فلان لكن لظروف طارئة اعتذر " ..
تكررت المأساة وتتكرر : فعند صعود المرنم البديل أو الواعظ البديل إلى المنبر يبدأ الحاضرون في نفس إحساس الإحباط الذي ينتاب رواد المسرح الذي غاب عنه نجم المسرحية ، وهم قد استقطعوا من وقتهم ومن مشاغلهم ليقضوا أمامه دقائق ، فبعد هذا النجم أي خادم آخر ليس أكثر من "كومبارس " ..
يا للإحباط !! ويا لغباء الشخص الذي لا يزال يراهن على اسم آخر غير اسم السيد وحده ...فيا من توقف دعوتك الناس للعبادة على أسماء خدام ، سينالك ما تستحقه من الخدام، ويا من تضع انتظارك للسيد صاحب الاسم الحسن فسيكافئ إيمانك !!
فإذا كان لاسمه وحده ستجثو كل ركبة مما في السماء وما على الأرض ومن تحت الأرض، فإن هذا الاسم قادر على صناعة أسماءنا .. إن أعظم أسماءنا لا تضيف إلى اسمه ما تضيفه ذرة غبار على ميزان حساس ... لكن ضع اسم سمعان الصياد البسيط الجاهل بجوار اسمه ، كم صياد تعرف عليهم التاريخ وانتظروا في ذاكرته كما حدث مع بطرس .!! إن اسمه الرصيد الذي يمكن أن يعطي لأسماء أحباءه ذكراً وقيمة، وتظل أسماءنا عظيمة وخالدة بمقدار ارتباطها به ، وتظل أسمائنا مهما كان لها من ملك وعظمة وعبقرية نحت على جدار صدئ ، بعيداً عن اسمه !! لهذا قال "ميل جيبسون" مخرج رائعة " آلام المسيح " عندما سألوه عن سبب إنتاجه وإخراجه لهذا الفيلم " أردت ببساطة أن أدخل التاريخ " ...
هل يحتاج اسم يسوع لانتخابات محلية أو عالمية ، إنه الاسم الذي به ينبغي أن نخلص، فليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به يمكن لأحد أن يخلص ... إنه الاسم المكرم الذي ستجثو له كل ركبة ... إنه الاسم المعطاء السخي الذي إذا طلبنا من الآب به يستجاب لنا ..   

*** إن اسمه نهاية الأسماء :

يمتلئ العهد القديم بسلاسل أنساب مبكرة ، ومتأخرة ... كما يفرد الكتاب المقدس إصحاحات كاملة لأسماء غريبة، وترابطات معقدة لكننا لا نجد في العهد الجديد سوى سلسلة نسب واحدة لشخص واحد ، تنتهي عنده كل الأسماء ، وكأنه البداية التي لا تكتب بعدها نهاية ، والكيان الذي لا يسعى لنسب ينتسب إليه بل هو النسب الذي يعطي الكرامة لكل من ينتسب إليه .. لم نسمع شيئاً عن نسب بولس وهو واحد من أعظم رجاله، ولا عن نسب بطرس أشجعهم ... ولا عن أي إنسان .. فإما الكرامة أن ننتسب إليه في أشخاصنا وأعمالنا وعبادتنا وحياتنا وإلاَّ فلا .
إما أن تكون اجتماعاتنا لاسمه ، وإلاّ فأي قيمة ترجى من اجتماع الأخ/ .. أو الأخت / ... دع المؤمنين يجتمعون من أجل الاسم الكريم .

**** اسمه يدين الأسماء :
يا ليت اسم يهوذا الاسخريوطي ما ارتبط به يوماً .. يا ليت أي خائن ما ربط نفسه بخدمة اسمه يوماً، فأسمه دينونة لكل الأسماء التي خانته ، والتي حكمت عليه ، اسمه سيظل سيفاً بتاراً ما لم تدافع به عن نفسك ، قتلت به نفسك ... يا لقوة دفاع هذا الاسم عن محبيه، ويا لبطش هذا الاسم العظيم من كل كارهيه ، إن الناس لن تدان من الدرجة الأولى لأنها ارتكبت الخطايا ، لكنها ستدان لأنها بالأساس احتقرت اسمه ... كم احتقر ملوكاً اسمه وقضوا في حفرة كالجرذان ... ألم يكتب صدام حسين الرزنامة المسيحية التي وضع على أحد صفحاتها : قال المسيح ، وعلى الصفحة المقابلة : قال صدام حسين .. أين صدام حسين الذي تجاسر بجنون العظمة ووضع اسمه بجوار اسم السيد كنظير له ، أين القذافي ؟! أين الذي تآمر على أولاده وأهان اسمه ... بل وأين القيصر الذي دعا نفسه صاحب المجد مساوياً نفسه باسمه في تحية العلم الروسي " المجد لله ، المجد لقيصر " !! إنه فقط كلاكيت أول مرة ، لكن يوماً قريباً جداً سيعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب ... وإن غداً لناظره قريب !!

سيدي ...
يا من تجثو لاسمك الملائكة
أين يقف عظماء اليوم أمامك ؟!
يا من شهد عن اسمك الأنبياء ويا من سجد لاسمك العظماء
آتي في أول أيام العام ، وانحني لأسمك ..
اطلب مجده في حياتي ...
أعلن سيادته على مجريات أموري ..
ليحقد الشيطان وأتباعه ...
لكني لغير أسمك لن أنحني ...
أقبل سجودي الآن لك يا ربي يسوع المسيح .
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق