الاثنين، 20 فبراير 2012

حاول أن تكون عظيماً

ما أصعب اللحظة التي تصطدم فيها بضآلتك!! أمام امتحان ، أمام مسابقة ، هجرة ، عمل !!
مع أن كلا منا يعرف أننا محدودين مكانياً، ومتناقصين زمنياً لكن مع هذا كل منا في نفسه يكره أن يكون محدود أو ضئيل أو مسكين.. فداخل كل منا إله رسمه على صورته، يتعبد له ، يفكر فيه ، يتمنى أن يتكلم الجميع عنه ... وأن يكون هو الكون بكل ما  فيه ...  
لكن – بكل أسف- الحياة مرات يبدو كأنها تتعمد أن تحشرنا في علبة صغيرة ، وتأخذ منا كل فترة شيئاً غالياً تشارك به الآخرين رغماً عنا .. أو تمنحه لهم على حسابنا ..
هل نكتفي أن نقف متفرجين على شاشة العرض الكبيرة ونحن في فيلم الحياة نلعب دور الضحية، أم نلبس نظارة ثلاثية الأبعاد ونصير جزء من الحدث... ربما جربنا هذا، لكن بهذا أيضاً لم نتمكن أن نتحول إلى جزء من الحدث ، وكأنه كلما حاولنا أن نكبر وأن ننتشر وأن ننجح ونحقق ذواتنا نجبر أن نصغر ...
أما الحقيقة بدون أي فلسفة، أننا صغار، ولا نملك أن نسيطر على أتفه التفاصيل خارجنا ... فيروس في الجو يمكن أن يفتت أحلامنا في الحياة، فراق يمكن أن يمزق أحشاؤنا كما يشق سكين شريحة رقيقة من اللحم ، كلمة جارحة من أحد المقربين يمكن أن تدمر صورتنا عن أنفسنا ... قرار سيادي يهزأ بكل استعداداتنا للوظيفة ... رصاصة طائشة يمكن أن تنهي ليلة العرس ...
نحن يا عزيزي لسنا أكثر من مجموعة من المساكين الذين أحبوا الحياة، لكنها نادراً ما قدرت محبتهم لها، أخلصوا لها فلم تعدل بينهم، تمسكوا بها فتركتهم كدمى ألقتها بعدما ملت من اللهو بها ، حلموا بها فأيقظتهم ...
نحن جهال فيما ندعي العلم ونحن أعلم من نكون بجهلنا ...
نحن مأساة قدر أن يكون لها رأس وقدمين لأنها فقدت أبجدية الحرية ...
كنا ولازلنا في هذا السباق، ولم نتقاعد حتى رغم أننا سقطنا أثناء الجري ... كنا ولازلنا في هذه الحلبة نتلقى ضربات القدر الأعمى ..
جهال ... فقراء ... مزدرى وغير موجود ... لا شيء ... أقذار العالم ووسخ كل شيء ... أول الخطاة ... آخر الطابور ... مساكين في أرواحنا حتى ونحن نقبض على العالم بأيدينا ... مغمورين وتافهين ربما في نظر أقرب من لنا ...
ها نحن قد وصلنا أخيراً ...
وصلنا حين انتهينا ...
هذه هي العتبة الأولى لملكوت السماوات ... أخيراً حصلنا على تأشيرة دخول ملكوت (غاندي البشرية) يسوع المسيح ...  " طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات " ...
هذه هي الأرضية التي تسمو على سماوات الكبار ....
يقف عليها صياد الجليل ، وصانع خيام من طرسوس ، وامرأة منبوذة سيئة السمعة ، وفتاة فقيرة من فتيات الناصرة ، ونجار وجابي ضرائب ، وشحاذ أعمي ، و...
يتهاوى من فوقها الوالي والكاهن ، والجميلات ، والأغنياء ، وأصحاب الأموال
لقد تضاءل الأوائل في القائمة العالمية ، فالقائمة الإلهية لم تتعرف على أسماءهم ، بينما سجلت القائمة السماوية أصفاراً في أعين أنفسهم وأعيننا ليسكنوا الملكوت ، ويسكن الملكوت فيهم ...
أما الذي رفض أن يترك عرشه لطفل المذود، والذي رفض أن يترك كيس المال ليحمل الصليب، رفضه الصليب ... ورفضه العرش ... على حد سواء .
إنها المعادلة الثابتة المتكررة بهدوء ، إنها أقوى معادلة صنعت بشر سماويين،  
ولم تحل نفسها على حساب الذين اختاروا غنى الحياة، وكرسيها وفراشها ، وقبرها وترابها ...

فمرحباً بك أيتها الفقيرة العاجزة الجاهلة ... إذ وصلت أخيراً للمحطة الأولى ...
مرحباً بك يا نفسي ، في ضيافة حضرة الغنى ، القدير الحكيم ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق